السؤال: حكم البيتكوين حلال ولا حرام

حكم البيتكوين حلال ولا حرام

حكم البيتكوين البيتكوين عملة رقمية لا تتوفر فيها المعايير – الشرعية والقانونية – التي تجعلها عملة يجري عليها حكم التعامل بالعملات القانونية الرسمية المعتبرة دولياً.

كما أنَّها لا تتوفر فيها الضوابط الشرعية التي تجعل منها سلعة قابلة للمقايضة بها بسلع أخرى؛

ولهذا: فإنه لا يجوز التعامل بالبيتكوين أو العملات الالكترونية الأخرى التي لا تتوفر فيها المعايير المعتبرة شرعاً وقانوناً؛

وذلك لأنَّ التعامل بها يؤدى إلى عواقب غير سليمة:

سواء على المتعاملين، أو على الأسواق المالية والمجتمع بأكمله،

وسواء اعتبرناها نقداً أو سلعة فالحكم يشملها على كلتا الحالتين. والله تعالى أعلم.

نسأل الله العلي القدير أن يحفظكم ويبارك فيكم. البيتكوين بالنظر إلى وضعها الحالي لا تتوفر فيها المواصفات اللازمة لجعلها عملة قابلة للتداول، على نحو ما تتداول به العملات المعتمدة في جميع أنحاء العالم.
كما أنه لا تتوفر فيها الشرائط اللازمة شرعاً، لاعتبارها سلعة تجرى المقايضة بها مع سلع أخرى. وبيان ذلك فيما يأتي:
أولاً: التعريف بالبيتكوين: يصف من يسمي البيتكوين عملة: بأنَّها من العملات الالكترونية الافتراضية الوهمية التي ليس لها وجود مادي، وهذه العملات على اختلاف أنواعها وتباين طرق الوصول إليها والحصول عليها منتشرة ومعروفة منذ عدة سنوات؛
ومن أشهرها عملات: الإيثيريوم، والداش، والريبل، واللايت كوين، والإيثيريوم كلاسيك، وهي كلها من العملات الرقمية التي لكل منها خصائصها ومميزاتها وطرق معالجتها وتوليدها.
وإنَّ الهدف من اللجوء لمثل هذه العملات يَكْمُن في أنها لامركزية؛ بحيث يمكن أن يتحكم فيها الأشخاص أنفسُهم، وتُحقِّقُ لهم قدراً كبيراً من الخصوصية والسرية، ولا يمكن تعقُّبُها؛ وذلك لأنها لا تَعتمد على المؤسسات الرسمية والجهات المالية الوسيطة كالمصارف.
ولكونها لا ترتبط بأي مؤسسة مالية؛ فإنه لا يوجد لها أصول ولا أرصدة حقيقية، ولا تحميها أية ضوابط أو قوانين مالية، ولا تخضع لسلطة رقابية.
وكان هذا أحد أسباب تَعَرُّضِها لارتفاعات مهولة أو انخفاضات حادة، ويضاف إلى ذلك كله: جهالة من يقف وراء ترويج هذه العملة الوهمية؛ مما يجعلها لدى أي تغيرات طارئة: عرضة لأن تتلف وتفقد قيمتها.
من أجل ذلك: فإنَّ الاعتراف بالبيتكوين كعملة قانونية لم تعتمده أي دولة من دول العالم، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة.
ثانياً: المعايير الشرعية المعتبرة في العملات: في الفقرة السابقة قدمنا وصفاً يوضح حقيقة هذه العملة بوضعها الحالي؛ وفي هذه الفقرة نذكر أهم ما تشترطه الشريعة لاعتبار أي شيء عملة،
وهذا الشرط هو: اعتماد الدولة لها، أي: أن تكون صادرة من جهة الدولة،
وهو ما يعبر عنه عند الفقهاء: بسك النقود، أو ضرب النقود، وبيان ذلك فيما يأتي: إنَّ اعتماد العملات المالية يعتبر في الشريعة وظيفة خاصة بالدولة، فالدولة وحدها هي التي يحق لها إصدار النقود،
وفقاً للقوانين المعتمدة لديها والمنظمة لذلك، وتجد ذلك صريحاً في نصوص الفقهاء، سواء كان بالنسبة للنقود المعدنية – من دنانير ذهبية أو دراهم فضية -:
مما تحمل قيمة في ذاتها والتي كانت سائدة فيما مضى، وكذلك بالنسبة للعملات الائتمانية التي تعتمد على قوة القانون، وليس لها قيمة في ذاتها: كالعملات الورقية، والتي أصبحت هي السائدة في جميع أنحاء العالم، وفيما يأتي نذكر بعضاً من هذه النصوص،
ونبدأ بما يخص العملة التي تحمل قيمتها بذاتها: فعن الإمام أحمد أنه قال: (لا يصلح ضرب الدراهم إلا في دار الضرب، بإذن السلطان؛ لأن الناس إن رُخص لهم ركبوا العظائم).
وقال الإمام النووي في الروضة: (ويكره للرعية ضرب الدراهم وإن كانت خالصة؛ لأن ضرب الدراهم من شأن الإمام) وفيما يأتي نورد نصاً شاملاً لِنَوعَي العملة، قال الإمام مالك في المدونة: “ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود؛ حتى تكون لها سكة وعين؛ لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة”.
وكلام الإمام مالك هنا قاعدة – في النقود – واضحة تمام الوضوح: فكل شيء – حتى الجلود ونحوها
– إذا قامت الدولة بسكه عملة، وراج تداولها بين الناس رواج النقود الذهبية والفضية، لاطمئنانهم لحماية الدولة وضمانها لقيمتها؛ فإنها في هذه الحالة تعتبر نوعاً من أنواع النقود وتأخذ حكم النقد الذهبي أو الفضي: الذي يحمل قيمة بذاته،
ومن ذلك: أنه لا يجوز صرف بعضه ببعض نسيئة، ولا صرفه نسيئة بأي نوع آخر من أنواع النقود، وبهذا يتضح: أن الشرط الأساس – في الشرع والقانون – لاعتبار الشيء عملة نقدية،
هو: أن تعتمد الدولة ذلك رسمياً؛ لتكون بذلك ضامنة لقيمتها ولتتوفر لها الحماية القانونية التى تمكنها من القيام بوظيفتها الأساسية، وهي: كونها مقياساً لقيم المقومات، وثمناً للسلع ووسيلة للوفاء بالديون.
ومن هنا يتضح: أنَّ العملة في المفهوم الحديث – إنما تأخذ حكم العملة – في الشرع والقانون – إذا توفر فيها المعيار الآتي،
وهو: أن تكون صادرة من الدولة، وتتمتع برعاية القانون لها: ضماناً وحماية؛ وذلك ليطمئن الناس – عند التعامل بها – على ضمان حقوقهم، والوفاء بالتزاماتهم.
وبناء على ذلك: فإذا بحثنا في البيتكوين – على اعتبار أنها عملة – فهل نجد المعيار المذكور متوفراً فيها؟ المفهوم من التعريف بها – والذى سبق ذكره
-: أنَّ البيتكوين هي عملة من العملات الرقمية الالكترونية، الافتراضية الوهمية: التي ليس لها وجود مادي، وليس لها ارتباط بالمؤسسات المالية الرسمية، ولا الجهات المالية الوسيطة: من مصارف ونحوها؛ لذلك فإنَّه لا يوجد لها أصول ولا أرصدة حقيقية،
ولا تحميها أية ضوابط أو قوانين مالية، ولا تخضع لسلطة رقابية، الأمر الذى يجعل من المتعذر ضمانها أو متابعتها؛ وبهذا يتضح: بأن البيتكوين لا تتوفر فيها الشروط المعتبرة في العملات الحقيقية: فهي لا تروج رواج النقود، ولم تتحقق فيها الثمنية؛
فهي لا تصلح أن تُعتمد مقياساً للأثمان التي تُقيَّم السلع بها،
ولم تحصل الثقة والاطمئنان إليها عند عامة الناس؛ لأنه ليس لها قيمة حقيقية في ذاتها ولا في أمر خارج عنها. لذلك فإنه يحتمل احتمالاً كبيراً سقوط هذه العملة – عند تعرضها لمتغيرات طارئة
– تؤدي إلى تلفها وفقدانها لقيمتها،
وعليه: فالتعامل بهذه العملة يتضمن غرراً أشد من غرر المقامرة المحرمة إجماعاً؛ لما يؤدي إليه ذلك من ضياع حقوق كثير من الناس، وأكل أموالهم بالباطل،
وقد صح: أن من أوائل ما يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة ماله: “من أين اكتسبه وفيم أنفقه” فلو تخلى عنها من يروج لها، وأغلقوا مواقعهم؛ فإنَّ هذا سيفقدها قيمتها، ويؤدي إلى تلفها، مما يؤدي إلى ضياع حقوق أصحابها المتعاملين بها.
ثالثاً: شرائط أخرى لتداول النقد، والمقايضة بالسلع: توجد شرائط لصحة المعاملات في الشرع – سواء تداول النقد، أو المقايضة بالسلع، ومن أهم هذه الشرائط ما يأتي: أ- معلومية طرفي المعاملة، ومعلومية العوضين: فهل هذا الشرط محقق هنا؟
الواقع أن الجهالة تحيط بالبيتكوين من كل الجهات: فهي تعتمد على مبادئ التشفير في جميع جوانبها، ولا يتضمن قانون التعامل بها أية معلومات عن الشخص أو بياناته؛ فالجهالة ترافقها بدءاً من اكتسابها واستعمالها، وأيضاً فإنَّ الأنشطةَ التي تُستخدم فيها غالباً ما تكون غير شفافة، وكل ذلك يؤدي إلى الغرر والغش المنهي عنهما إجماعاً في الشريعة الإسلامية؛ والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1- قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: . 2- وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم « … عن بيع الغرر»
3- وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من غشنا فليس منا» 
4- الإجماع: يقول ابن العربي في القبس: (القاعدة الثامنة: الجهالة، وقد اتفقت الأمة على أنه لا يجوز إلّا بيع معلوم من معلوم بمعلوم بأي طريق من طرق العلم وقع).
ب- خلو المعاملة من الضرر المحرم.
فهل التعامل هنا خال من الضرر خاصاً أو عاماً؟
الواقع أن البيتكوين خارج عن رقابة الجهة المسؤولة – سواء اعتبرناها عملة أو سلعة – وهذا يؤدي حتماً إلى إضعاف تحكم الدول في أسواقها:
– المالية منها والتجارية – مما يؤدي إلى حدوث أضرار متوقعة، بل قد يكون الضرر محققاً في بعض الصور.
فهي تُلحق الضرر باقتصاد الدول، وقد تؤثر على استقرار المجتمعات بما تَتَسبب فيه من انتشار التجارات المحظورة، وغسيل الأموال، والتحويلات المالية؛ التي يمكن أن تستخدمها الجماعات المحظورة بتداول هذا النوع من العملات، والضرر يزال؛ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»
رابعاً: الحكم الشرعي للتعامل بالبيتكوين: مما سبق يتضح: بأنَّ البيتكوين لا تتوفر فيها المعايير – الشرعية والقانونية – التي تجعلها عملة يجري عليها حكم التعامل بالعملات القانونية الرسمية المعتبرة دولياً.
كما أنَّها لا تتوفر فيها الضوابط الشرعية التي تجعل منها سلعة قابلة للمقايضة بها مع سلع أخرى؛ ولهذا: فإنه لا يجوز التعامل بالبيتكوين أو العملات الالكترونية الأخرى التي لا تتوفر فيها المعايير المعتبرة شرعاً وقانوناً؛ وذلك لأنَّ التعامل بها يؤدي إلى عواقب غير سليمة: سواء على المتعاملين، أو على الأسواق المالية والمجتمع بأكمله، وسواء اعتبرناها نقداً أو سلعة فالحكم يشملها على كلتا الحالتين.
ويُلاحظ: أنَّ هذا الحكم إنما يخص هذه العملات التي يجري السؤال عنها في هذه الفترة، والتي ما زالت خارج الرقابة من الجهات المسؤولة، أما إذا صدر قرار بتنظيمها واعتمادها ووضعِها تحت مظلة رقابية من تلك الجهات؛ بحيث تتوفر فيها المعايير التي تجعل منها عملة قانونية، يجري التعامل بها بين الدول؛ فإنَّ حكم التعامل بها يأخذ حينئذ حكم التعامل بالعملة المعتمدة رسمياً، والله تعالى أعلم.  
الأحكام السلطانية (181) لأبي يعلى الفراء (المتوفى: 458هـ)، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت ، لبنان، الطبعة : الثانية ، 1421 هـ – 2000 م  ) روضة الطالبين وعمدة المفتين (2/258) للإمام محيي الدين النووي (المتوفى: 676هـ)، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان، الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م المدونة (3/5) مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (المتوفى: 179هـ)،الناشر:
دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415هـ – 1994م. ) سنن الترمذي رقم الحديث: (2416) المؤلف:
محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ)، الناشر: دار الغرب الإسلامي – بيروت ) صحيح مسلم رقم الحديث: 
مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت ) مختصر صحيح مسلم رقم الحديث: (1235) ) القبس في شرح موطأ مالك بن أنس،(1/791) المؤلف:
القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ)، المحقق:
الدكتور محمد عبد الله ولد كريم، الناشر: دار الغرب الإسلامي. 
) مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم الحديث(2867 ) المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الحديث – القاهرة
شارك المقالة معا اصدقائك
فتح حساب إسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.